Thursday, August 27, 2009

اعتذار



- اتفضل يا باشمهندس دا رقم الرحلة من القاهرة للرياض هتنزل ترانزيت و بعدين تاخد طيارة ابها
- متشكر يا استاذ محمد على مجهود حضرتك ولو عوزت اي حاجة اعتبر اني في ابن ليك في السعودية
- شكراً يا ابني ربنا يوفقك انت واللي زيك و ترجعوا بالسلامه
- شكراً , سلام عليكم
- عليكم السلام

أخرج من باب مكتب حجز الطيران , اشعر ببرودة الطقس في الخارج مع ان الساعة لا تتجاوز الحادية عشر صباحاً في احد ايام نوفمبر الدافئة لا يشغل بالي غير سؤال واحد فقط
كيف سأخبرها , أمسك بتذكرتي و جواز سفري بيدي انظر إليهما ولا أستطيع ان اجد في مخزوني من الكلمات ما يجعل الأمر هيناً , اظل افكر حاملاً في رأسي هذا التساؤل , إلى اي مدى ستكون قسوة كلماتي عليها , هي تعلم و انا اعلم ان اللحظة قادمة , تمني نفسها ان يكون هذا مجرد اندفاع طائش مني وان سفري ماهو إلا أشباح تمر بذهني.

اخرج إلى الطريق العام لا أريد ان استقل سيارة تقلل من الوقت الممنوح لي في التفكير , كيف اعصر قلبها بدون ان تتألم , يأخذني الطريق إلى حيث بيتي , اجد نفسي بلا حلول , قطعت بضعة كيلو مترات على قدمي ولم أعثر ما أخفف به وقع كلماتي القادمة

أصعد إلى الطابق الرابع , أجدها بالمطبخ , تعد لي من الطعام ما اشتهي كالعادة , احاول رسم ابتسامة على وجهي مثلما يحدث لي تلقائياً عند رؤيتها , تخرج ابتسامة باهتة لا لون لها , احاول ان اجد مدخلاً لكلماتي القادمة فأفشل , تسألني :
- ها عملت ايه يا حوده ؟
- حجزت يوم الجمعة
- اللي بعد بكرة ؟
- ايوه يوم 14

تظهر علامات على وجهها صليت ألا اشاهدها
تحاول ان تكمل ما تقوم بعمله
وعيناها تنظر بحزن على الطاولة
ادير ظهري لها مدعياً انشغالي بشئ خلفي
تضع ملعقة كانت ممسكة بها , وتستند بيديها قائلة :
- يعني خلاص يا احمد ؟
تمر بي لحظات قاسية
تسقط دمعتان من عينيها
- خلاص عشان خاطري ما تزعليش , انا مش قادر استحمل
تهرب إلى غرفتها مخفية وجهها, اذهب ورائها
ماذا اقول , ماهي الكلمات المناسبة
كيف اتخطى ألمي و ألمها الآن
تبكي بدموع قلب يعتصره الحزن
تجلس على طرف الفراش
اقترب منها , واضعاً يدي على كتفيها
اخبرها بتلك الكلمات التي لاتغني ولا تسمن من جوع أمام عاطفة أم تستعد لفراق ابنها
اقف عند النافذة , كيف لي ان ارى هذا الوجة الرقيق و هو يبكي
تنهمر الدموع بلا توقف صامتة حزينة
تعود أمي إلى المطبخ ثانية دون ان تهدأ دموعها
تريد أن تكمل ما تعده لي من طعام
هي التي ما منعها مرض ولا ألم عن رعايتي
يمر من الأيام ما هو غائم مثلج على هذا القلب
يزورني أصدقائي
يريدون الاحتفال قبل سفري
اشكرهم , أحاول الاعتذار , اخبرهم بأن روحاً تحترق
أتمنى أن تنتهي ساعات السهر
لأذهب إليها , راجياً ان أعود فأجد الحزن قد إنجلى
حتى لو بانشغال مزيف في ترتيب حاجاتي
يأتي ميعاد الرحيل قبل الفجر
تدخل الدنيا في سكون عجيب
تهرع أمي إلى السيارة
قبل ان تراني أغادر هذا الباب
قبل ان تسجل في مخيلتها ذكرى جرح
علمت أنه يدوم إلى الأبد
عندما رأيت أختي تغادرنا قبل شهور
أحمل امتعتي وادخلها إلى السيارة
أرى أمي تتفحص وجهي
تتمنى ان تاخذ من ملامحي ما يشبعها
لكن دون جدوى
تحاول ان تظل متماسكة
لكن لا , اعلم انها تبكي في الخلف
وانها تخفي دموعها في ظلمة السيارة
أطمئنها ان النور يأتي بعد الظلام
و أنه ما نفترق إلا لنجتمع
نصل إلى المطار
أخرج حقائبي
تتشبث أمي بذراعي
مع قطرات دمع من حين لآخر
يأتي وقت الفراق
آآآه يا أمي من فراقك
- انا لازم أدخل هنا يا أمي
- بلاش يا أحمد مش عايزاك تمشي خلاص
- معلش يا أمي والله هتعدي الأيام

يدفعني الزحام من خلفي إلى الدخول
وتركها خلف السياج الزجاجي
محاولا إبلاغها ان تعود إلى البيت لتستريح
أجدها خلف السياج الزجاجي
تنظر إلى بانهزام
هنا يمنعنا السياج من ان تتلامس ايدينا
أرجوها ان ترحل من بعيد
أدخل في طابور الراحلين
أختفي عنها
ثم أراها تفتش عني بعيناها
أرى هذه اللهفة
ثم أغادر إلى مكان انتظار الطائرة
تراسلني على هاتفي
ترجوني الرجوع
أوعدها بالرجوع قريباً
تعتذر مني انها تركت الدنيا تفعل بي هذا
كيف تعتذر مني وهي التي عاشت هذا العمر لعبادة الله ثم لنا
أرهقت جسدها و أفنت روحها من أجل ابتسامة حتى لو صغيرة على وجوهنا
أمي
انا الشخص الذي يجب ان يعتذر
أعتذر لإيلامك
أعتذر لوَجَعِك
أعتذر لك للحظات محنة لم اكن فيها بجوارك
أعتذر لك لليل يطول عليك في انتظارنا
أعتذر لك في هم يملئ قلبك دون اقتسامه بيننا
أعتذر لك لشوق ورغبة في احتضاننا

-------------------------------------
التدوينه دي كتبها احمد اخويا لامي
اعتقد ان كل بيت في بيوتنا فيه احمد و فيه امي
زعلانه منك قوي يا بلدي